الأربعاء، 26 مارس 2008

حوار من القلب حول الحملة



عمرو خالد فى ندوة محيط:


محمد هنيدى فى جامعة القاهرة فى اطار حماية

أكد الداعية الإسلامي عمرو خالد أن حملة محاربة الإدمان في العالم العربي التي انطلقت منذ نحو أسبوع وتستمر لمدة أربعة أسابيع أخرى هي جزء من مشروع حياته وهو قضية "نهضة الأمة"، موضحا أن قضية الإدمان باتت تُشكل مصيبة أخلاقية لأنها تتحول إلى جرائم اغتصاب وقتل وسرقة وانحراف فتيات وضرب للأهل .


وأشار إلى أن المدمن "مريض" وليس "مجرما" ويجب أن نتعامل معه من هذا المنطلق، مؤكدا أن من أهم أسباب وصول عدد المدمنين إلى عشرة ملايين مدمن في العالم العربي يرجع إلى انعدام لغة الحوار في مجتمعنا، وأن الشباب يتجهون للإدمان نتيجة شعورهم بالوحدة والفراغ، حيث لا أحد يتحدث معهم ولا الدولة تطلب منهم عمل أي شيء، ولا عندهم ملاعب رياضية يفرغون فيها طاقتهم، ولا يجدون أمامهم سوى المقاهي يجلسون عليها ويدخنون التبغ والنرجيلة لتبدأ أولى خطواتهم نحو الإدمان .

جاء ذلك في الندوة التي نظمتها شبكة الأخبار العربية "محيط" في إطار مشاركتها في حملة "حماية لمحاربة الإدمان بالعالم العربي إلى جانب رعاة الحملة الأساسيين وهم شرطة دبي والمكتب الإقليمي للأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومؤسسة "رايت ستارت" العالمية .

محيط: بدأت حملة "حماية" لمحاربة الإدمان منذ نحو أسبوع.. فهل لمستم تفاعلا من قبل الشعوب العربية مع الحملة؟ اسمحوا لي أن أقول في البداية أن هناك "بارقة أمل" حيث أن الكثيرين يعتقدون أن الشباب والشعوب في العالم العربي منسحبين من الشأن العام تماما، ولا يهتمون إلا بأنفسهم وهذه هي الصورة السلبية السائدة عند الكثيرين.
لكننا فوجئنا أن الناس قد تجاوبوا معنا بصورة لم نكن نتوقعها بمجرد أن علموا أن هناك مصيبة تحيط بمجتمعنا، وأن هناك عشرة مليون مدمن في العالم العربي أعدادهم تتزايد بصورة مرعبة، والمشكلة أصبحت مصيبة أخلاقية لأنها تتحول إلى جرائم اغتصاب وقتل وسرقة وضرب الأهل، بل وانحراف الفتيات لأن الشاب حينما يُدمن من الممكن أن يسرق لكن البنت لو أدمنت غالبا ما ستتجه إلى الانحراف حتى تحصل على المال اللازم لشراء المخدرات.

أصداء واسعة
محيط: ما الذي تم تحقيقه من انجازات في ضوء كثافة عدد المشاركين في الحملة من جهات عديدة على المستوي العربي والدولي؟
في الحقيقة أنا لم أكن أتخيل تفاعل الناس معي بهذه الطريقة وإئذنوا لي أن أعطيكم بعض الأمثلة:

ـ صناع الحياة في الجزائر عملوا في الجامعات الجزائرية بحجم ضخم لدرجة أن الشباب طبعوا من مصروفهم الشخصي ألف استيكر وألصقوها في كل مكان، وطبعوا أيضا الملف التعريفي الذي يتحدث عن خطورة المخدرات ووزعوه في الجامعات، وعلى إثر ذلك تفاعل الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" معهم وطلب إقامة مؤتمر وطني في كل الجامعات الجزائرية تحت رعاية هؤلاء الشباب، وقد سعدت جدا أن جهد هؤلاء الشباب وصل إلى رئيس الجمهورية فاهتم بهم وتحرك وتفاعل معهم فله ولهم كل الشكر.


على مستوى الهيئات العربية أرسل لنا وزير الصحة الأردني خطابا رسميا يؤيد فيه الحملة ويقول لنا أنا معكم، وشرطة دبي طبعت 200 ألف ملصق ليوضعوا بشكل رسمي في كل جامعات دبي والإمارات والمدارس ، وأنا للأسف الشديد أقول "مدارس" لأن سن المخدرات كان ما بين 17 و18 سنة منذ خمس سنوات، أما اليوم فالمتوسط 11 سنة، والإدمان وصل لطلاب الإعدادية.
ـ ومن المواقف التي أثرت في كثيرا أنه منذ يومين اتصل بي أحد الأشخاص وقال: أنا تاجر مخدرات، فاعتقدت أنه يقصد مدمن مخدرات، ولكنه أكد لي أنه تاجر مخدرات من محافظة السويس المصرية، ودخله الشهري ما بين 50 و60 ألف جنيه من هذه التجارة، ثم أخبرني أنه يهاتفني بعدما رأى الشباب المشاركين في الحملة يضعوا الملصقات في كل مكان، فآلمني ضميري للمرة الأولي في حياتي لأنني أتسبب في وفاة أناس كثيرين، وفي نفس الوقت أتخوف من التوقف عن نشاطي لأن فوقي تجار أكبر مني ولا أعرف ماذا سيفعلون معي، فقلت له لا بد أن تتحلى بالشجاعة الكاملة لو أردت أن تتوب إلى الله وتنقذ نفسك دنيا وآخرة.
وقد هزتني هذه المكالمة جدا لأن أبعد طموحاتي كانت إيقاظ الشباب، لكن أن تجار المخدرات يستيقظوا فلم أكن أتوقع ذلك أبدا، صحيح أنه تاجر صغير لكن المكالمة في حد ذاتها دليل على نجاح عمل الشباب المشاركين في الحملة.
ـ ابن صاحب شركة "داماس" للمجوهرات في السعودية وضع كل مصروفه في عمل "تشيرتات" و"كابات" مكتوب عليها "لا للمخدرات"، وكان والده مسافرا وحينما عاد تفاعل مع ابنه وقرر أن تقوم "داماس" بطبع 30 ألف ملف تعريفي عن خطورة المخدرات، ووضعها في كل كتالوجات المجوهرات التي تذهب إلى العملاء.ـ "حفصة" وهي بنت من السعودية جمعت عائلتها وهي من أثرياء السعودية وأقامت مزاد على 50 "تيشرت" للحملة، وهدفها أن كل مدمن يريد أن يحصل على العلاج ولا يستطيع تتكفل عائلتها بتغطية نفقات العلاج.
ـ في جامعة الملك سعود بالرياض لم يتحرك الشباب وحدهم للمشاركة في الحملة، ولكن البنات أيضا قامت بالمشاركة وألصقت الاستيكرات في الجامعة وهذا بالطبع كلام جديد على البنات في السعودية حتى ولو كانوا جامعيات، وهذا أسعدني جدا ليس بسبب الحملة فقط، وإنما لأني لاحظت أنه ما زال هناك طالما يوجد شباب مهموم على بلده ووطنه.
ـ رجال الأعمال أيضا قرروا أن يشاركوا في الحملة حيث قامت شركات ومصانع ألبان بتغيير شكل العبوة بحيث يظهر عليها شعار الحملة.
ـ فريق نادي "اسبورتنج" السكندري قرر أن يلعب جميع مبارياته القادمة وهو يضع إعلان الحملة على ملابس اللاعبين، ستسألنوني كيف؟ وأين المعلن الأصلي؟ سأقول لك أن المعلن هو الذي طلب أن ينزعوا الإعلان الخاص به ويضعوا بدلا منه شعار الحملة في كل المباريات.

ـ رئيس اتحاد كرة السلة في مصر أعلن أن الدورة المجمعة لسن 18 سنة في كل المباريات ستضع شعار الحملة و سيتم تخصيص 50 % من دخل المباريات لعلاج المدمنين غير القادرين.
ـ اتصل بي شخص من صناع الحياة وقال لي أنا الدكتور مسعد من مركز أبو حماد بمحافظة الشرقية، وقمت أنا وزوحتي وابنتي بتوزيع ألف نسخة من الملف التعريفي عن أضرار المخدرات على الصيدليات والجامعات وعلى بعض المنازل التي نعرفها.


ـ لاعبي كرة القدم في مصر قرروا أن يقيموا خمس مباريات خيرية على الملاعب الخماسية. وهم قدامى النادي الأهلي يقودهم ربيع ياسين وهادي خشبة وياسر ريان وسيد عبد الحفيظ ومن الزمالك طارق يحى وغيرهم آخرين سيلعبوا أمام بعضهم خمس مباريات تقام في القاهرة والإسكندرية والمنصورة لرعاية الحملة وتجميع الشباب، واللاعبين أنفسهم هم اللذين سيقومون بتوزيع الملفات التعريفية عن أخطار المخدرات.
ـ صناع الحياة جمعوا صور من خمسين دولة بها لقطات الاستيكر وهو معلق في الأماكن المختلفة، واليوم أعداد الاستيكر التي عُلقت وصلت إلى 2 مليون على الرغم من أنا طموحنا كان مليون فقط.
ـ الفنان محمد هنيدي قرر المشاركة معنا وقال أنا معكم استخدموني كيفما تشاءون في المدارس والجامعات والنوادي ولن أتردد وقرر الذهاب إلى جامعة القاهرة لكي يتحدث عن خطورة الإدمان أمام الشباب.
ـ الفنانة أنغام قامت بتسجيل أغنية خاصة للحملة موجهة للبنات المدمنات لأن هؤلاء يعيشون مأساة حقيقية ويطردوا من بيوتهم فيزدادون انحرافا.. وهذا كله انجازات وتفعلات من جميع طوائف المجتمع.

آليات فعالة
محيط: بالنسبة للجانب العملي في الحملة الخاص بعلاج 5 آلاف مدمن.. هل هناك آلية معينة للوصول لهذا العدد؟ نحن عندنا محورين نعمل عليهما من خلال الحملة وهما المصحات والمدمنين، وبالنسبة للجانب الأول فقد اتفقنا مع 22 مصحة لعلاج الإدمان، وحضر الاتفاق بالطبع الأمم المتحدة باعتبارها شريكا أساسيا في الحملة، وأتفقنا معهم على أن يوفروا لنا 5 آلاف سرير على دفعتين، بخصم 50 % لأي شخص قادم من طرف الحملة وسيتم تخصيص15 % من هذه الأسرة مجانا، لأن الحملة ليست موجهة للأغنياء فقط وإنما للأغنياء والفقراء على السواء، وقد بدأنا بالفعل في استقبال الحالات حيث وصل إلى المصحات 81 حالة في الأسبوع الأول.

أما المدمنون فسوف نصل إليهم من خلال 1200 شاب متطوع تم تدريبهم على طريقة عمل مديانية اسمها Outreach وهي تستخدم لأول مرة في العالم العربي، حيث ينزل هؤلاء المتطوعين إلى تجمعات الشباب دون أن يتحدثوا مع المدمنين مباشرة ولكنهم يقولون كلاما مفاده أن من يحتاج مساعدة يتصل بنا على هذا الرقم، وعلى هذا فإن المدمن يرانا ويشعر بنا حتى ولم نراه نحن.

عندنا أيضا الكول سنتر الذي يستقبل مكالمات المدمنين ومن يعرفهم وقد تلقينا في الأيام الأربعة الأولى فقط أكثر 2200 مكالمة منهم 250 مكالمة يقول أصحابها أنهم مدمنين.

محيط: وهل مدة الحملة خمسة أسابيع تكفي لتحقيق الإنجاز الذي ترغبلون في تحقيقه؟

بالطبع المدة قليلة ولكني سأكون صريحا معكم وأقول أن أنفاسنا قصيرة جدا وهذه هي طبيعة شعوبنا، ويجب أن نكون واقعيين حين نتعامل مع الناس، أضف إلى هذا أن كلمة "حملة" أصلا طبيعتها أنها لاتزيد عن هذه المدة، كما أننا لا نستطيع أن نُكرس كل عمرنا لقضية الإدمان فقط لأن هناك جهات مسئولة وهذه هي طبيعة عملها وما عيلنا نحن سوى دفع الأمل وتدريب المتطوعين، وبعد ذلك نسلم المشروع للجهات الرسمية التي تتحمل المسئولية في النهاية، وما أود أن أقوله أن مشروع حياتي هو قضية "نهضة الأمة" ولا أقدر أن أعيش لقضية المخدرات وحدها.

تنسيق ومتابعة
محيط: لماذا لم يتم التنسيق مع الجهات المعنية والمسئولين لمواصلة ما انتهيتم إليه؟ أولا هذا مشروع عربي وهناك تنسيق مع شرطة دبي وهي أحد الرعاة الأساسيين للحمة ووزارة الصحة الأردنية أعلنت دعهما للحملة، والحكومة الجزائرية ممثلة في رئيس الجمهورية أصدرت مرسوما خاصا بدعمنا ووحدة مكافحة الإدمان في ليبيا دعمت الحملة أيضا.
ومن جهتنا بعثنا خطابات لكل الجهات المسئولة في مصر وخارج مصر نطلب منهم رعاية الحملة واستجابت الكثير من الجهات كما أخبرتكم، وقد أرسلنا خطابا لرئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف ووحدة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية وننتتظر الرد منهم، كما اتصلنا بصندوق مكافحة المخدرات في مجلس الوزراء والذي أبدى سعادته بما نقوم به واستعداده للمشاركة في الحفل الختامي.
إضافة إلى ذلك أننا سندعوا جميع الجهات في الحفل الختامي للحملة والذي سترعاة الأمم المتحدة ثم نُعطي للجهات الرسمية ما توصلنا إليه ليكملوا هم ما بدأناه، ونجتمع السنة القادمة في نفس المكان لنرى ما تم تحقيقه.
محيط:في رأيك.. ما هي أهم أسباب وصول العدد إلى عشرة ملايين مدمن في العالم العربي؟ من أهم أسباب الوصول لهذا العدد عدم قدرتنا على التعايش مع أبناءنا وأن المدمنينن ليسوا قادرين على أن يستمعوا إلى أحد لأنه لا يوجد أحد يتحدث معهم أصلا، فالمشكلة هي أننا نفتقد كثيرا للغة الحوار، ولهذا تفاعل معنا الكثير من المدمنين لمجرد أننا غيرنا لغة الحوار الإعلامي الذي يتناولهم ويعتبرهم مجرمين، وتأثر المدمنين كثيرا حينما ذهبت لهم وتعاملت معهم من منطلق أنك مريض وأنا أحبك وأرجوك أعطيني فرصة أن أساعدك لأني أحبك حبا غير مشروط، ولهذا.
وهنا أريد التوجه برسالة إلى والدي المدمن بألا يطردوه من المنزل، ربما كان "مجرما" في أول مرة تعاطى فيها المخدرات لكنه الآن "مريض" وفعلا هو مريض من الناحية الطبية ويحتاج إلى الشفقة والرحمة وإلى أحد يربت على كتفيه، وسيشعر بنا بسرعة لأنه أصبح ذكيا جدا من كثرة تعامله مع تجار المخدرات فيعرف من يتعامل معه لكي يأخذ منه نقود ومن يتعامل منعه دون انتظار مقابل، وعندما يجد من يحبه يتحول إلى طفل ويتفاعل معك لتفهمه خوفك عليه.
وأعطيكم مثالا حيا وهو الكثير من المدمنين الذين يتصلون بي لمجرد أنهم رأوني في التلفاز وأنا أربت على أحد المرضى المدمنين في المصحة.. تخيلوا أن هذا المشهد تفاعل مع قلوبهم بشكل فوري.
من ناحية أخرى فإن مشكلة انعدام الحوار ليست متواجدة داخل الأسرة فقط وإنما في المدرسة بين المدرس والطالب ومع رجل الدين في المسجد وكافة نواحي الحياة الأخرى.
وحينما أتحدث مع المدمنين الشباب يقول لي نصفهم تقريبا أنهم لجأوا إلى تعاطي المخدرات نتيجة شعورهم بالوحدة والفراغ، فلا أحد يتحدث معهم ولا الدولة تطلب منهم عمل أي شيء، ولا عندهم ملاعب رياضية يفرغون فيها طاقتهم، ولا يجدون أمامهم سوى المقاهي يجلسون عليها ويدخنون التبغ والنرجيلة لتبدأ أولى خطواتهم نحو الإدمان.
محيط: وهل ترون أن هذه الإيجابيات مؤشرا على نجاح الحملة في تحقيق أهدافها؟ في الحقيقة الموضوع ليس سهلا.. صحيح أننا نجحنا في الهدف الأول وهو الاستيكر حيث كنا نريد لصق مليون ووصلنا إلى 2 مليون، والأنشطة كنا نريد 5 آلاف ووصلنا بالفعل لهذا الرقم، لكن المهمة الأصعب لا زالت قائمة وهي توصيل خمسة آلاف مدمن إلى المصحات واعتقد أننا جميعا محتاجين إلى التعاون بكل قوة لكي نحقق هذا الهدف.
وأنا سعيد بأن يكون موقع "محيط" شريك أساسي معنا في هذه الحملة ونعقد الأمل على قراءه الأعزاء في مساعدتنا للوصل لهذا الهدف، وأشكرهم جدا على المساهمات التي أرسلوها في الفترة الماضية، ولكني أؤكد لهم أنه لم يمضي سوى أسبوع واحد فقط ولصق الاستيكر وحده ليس كافيا ولذا فإنني أناشدكم أن تقوموا بأنشطة مختلفة والحديث عن الحملة وأضرار الإدمان في المدارس والنوادي والجامعات لكي نصل إلى الخمسة آلاف مدمن.
وبعد ذلك أبعثوا انجازاتكم للموقع ليتم نشرها في قائمة الشرف حتى يتسنى لنا اختيار المتميزين وتكريمهم في الحفل الختامي التي سنتشرك فيها نحن "ومحيط" والأمم المتحدة والشركاء الآخرون.. تفاعلوا معنا يا قراء "محيط" وسنكون سعداء جدا بكم وبالتواصل معكم في الحملات القادمة إن شاء الله.


ليست هناك تعليقات: